شهدت السعودية التي تأسست العام 1932 محطات إستراتيجية هامة في مسيرتها، أعطتها صلابة الدولة وشكلت شخصيتها المعروفة اليوم، لقد تكون للمملكة فكر سياسي خاص وعميق يصعب تجاوزه أو القفز عليه، أثر في علاقات المملكة مع محيطها العربي الإسلامي والدولي.
أولى تلك المحطات التي منحت الدولة سرعة القرار، والقناعة بأن مصلحة الدولة العليا فوق أي اعتبارات، كانت القضاء على التمرد العسكري الذي قاده فصيل في موقعة «السبلة» 1930، وللحقيقة فقد أكدت تلك النهاية، أن السعودية القوية قادمة وأنها لا تدفع فواتير لأحد، بل تقدم نفسها دولة ذات قرار واحد لا شركاء فيه، ولا تخضع للابتزاز والمساومة، مثل هذا التمرد حصل بشكل «مشابه» بعد 50 سنة، على يدي جهيمان، والذي سيرد ذكره لاحقا.
ثاني المحطات شهدت نضوج العقل والحكمة السياسية، حين التقى الملك عبدالعزيز مع حسن البنا في العام 1936، ضمن الوفود الإسلامية التي تفد للسلام، في تلك الفترة المبكرة، تنبه الملك عبدالعزيز للعرض الذي قدمه البنا له بتأسيس فرع بجماعة الإخوان المسلمين في السعودية، الملك الداهية فهم أن الإخوان الذين عاثوا في مصر الملكية، يريدون الهروب من تبعات أفعالهم ونقلها لبلد لا زال ناشئا، كانت نظرة سياسية مستقلة ترفض الأحزاب وتعتقد أنها مرض فتاك يودي بالدول التي تسمح بها.
جاء توحيد المملكة العربية السعودية في دولة واحدة 1932، بعدما كانت سلطنة نجد ومملكة الحجاز، تحولا تاريخيا ليس في تاريخ الجزيرة العربية، بل أثر ولعقود قادمة في مستقبل أبنائها، استطاعت معه الدولة الفتية تكوين أول وحدة عربية منسجمة غير متنافرة، هذه الوحدة شكلت العقلية الوحدوية التي انتهجتها المملكة في سياساتها الداخلية والخارجية.
كان لموقعة الوديعة 1969 حدثها المدوي، فالحرب جاءت هذه المرة من قبل عدو خارجي، يملك جيشا مدربا وحليفا دوليا هو الاتحاد السوفيتي حينها، في الحادثة أثبتت المملكة قدرتها على الردع العسكري السريع، وشكل استخدام سلاح الطيران بشكل كفء تغييرا في الإستراتيجية العسكرية أقنع الرياض بأهمية ذلك السلاح وتحويله إلى ذراع عملاقة، وبعد أقل من عقد، دعمت سلاحها الجوي بمئات من طائرات إف 15 ذائعة الصيت وطائرات الأواكس القادرة على حماية الأجواء.
كانت حرب اليمن بين الجمهوريين والملكيين، وهي في وجهة نظر ساعدت في تطوير البراغماتية السياسية للرياض، التي وجدت بعد سنوات أن «الملكيين» في صنعاء، هم من قضوا على أنفسهم رغم كل الدعم الذي بذل لهم، وبالتالي فإن مستقبل اليمن يكمن في الانحياز لخيارات أخرى، وهو ما حصل العام 1970.
كانت سنة 1973 أثبتت فيها الرياض انحيازها الكامل للقضية الفلسطينية، وأخذت قرارا مصيريا بوقف إنتاج النفط عقابا للدول المنحازة لإسرائيل في صراعها مع العرب، قرار وضع قوت السعوديين أمام مصير صعب، لكنها الحياة بكرامة مع قليل من التمر واللبن هي الرسالة التي وصلت لواشنطن وحلفائها الغربيين.
كان لدخول جهيمان إلى الحرم المكي الشريف صدمة عنيفة في وجدان السعوديين، ليس لأن جهيمان ورفاقه احتلوا الحرم، بل للجرأة على قتل المسلمين بدم بارد في داخله، يبدو حينها أننا لم نلتفت إلى خطورة الفكر الذي يستبيح الدماء بلا تردد من أجل تحقيق أفكاره المتطرفة، وهو فكر قطبي بامتياز جاء عبر نظرية التكفير والهجرة.
القضاء العسكري على جهيمان ورفاقه، أحدث ارتباكا في المشهد الاجتماعي بقي على الأقل لثلاثة عقود لاحقة ليتم الإجهاز على فكره المتمدد.
حرب الخليج العام 90، وضعت المملكة أمام خيارات صعبة، لكنها اختارت تحرير الكويت من صدام بدلا من الاتفاق معه على اقتسام دول مجلس التعاون الخليجي، كما عرض على الملك فهد في بغداد ورفضه بصلابة.
في تلك الحرب جربت السعودية استضافة نصف مليون جندي أجنبي، وعرفت كيف تتشكل التحالفات العابرة للقارات، وكيف أن الخيانة تأتي ليس من البعيد فقط، بل وحتى من القريب المندس بيننا، وهل ننسى كيف أن شيوخ الحركيين نزعوا خناجرهم بالتعاون مع جماعة الإخوان للتحريض ضد التحالف ودفع السعوديين للتشظي وخلق تيار مناهض داخلي أسفر فيما بعد عن عمليات ضد الأمريكان والغربيين.
جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لتنقل المواجهة هذه المرة من الأعداء إلى الأصدقاء، فقد استطاع من صمم وخطط للأحداث، إحداث صدمة هائلة بين واشنطن والرياض باختياره المتعمد لأربعة عشر سعوديا ضمن الإرهابيين المنفذين لها، وهنا برزت الدولة السعودية بكل قوتها وببراعة ومهارة لا مثيل لها، خففت من تداعيات الأحداث، ونقلت المعركة إلى العدو الحقيقي المنفذ لها.
أحداث الخريف العربي، وتداعيات الشرق الأوسط الجديد، التي لا نزال نعيش نتائجها وتأثيراتها وضعت المملكة أمام تحديات وجودية، لكن المصمك الذي كان صلبا كعادته، وصل لقناعة تامة تقوم على ثلاثة محاور، التحالف مع السعوديين والمراهنة عليهم فقط، وحماية الخليج من أي اختراق وهو ما حدث في القرار المصيري بدخول قوات درع الجزيرة للبحرين، وثالثا البعد العربي بحماية مصر من السقوط، ودعم ثورة 30 / 6 وخيارات الشعب المصري في دحر محاولات احتلال جماعة الإخوان للعالم العربي، وكذلك إخراج النفوذ الإيراني من اليمن والبحر والأحمر والسودان، وإبقاء الجزيرة العربية ومحيطها خاليا من أي قوى إقليمية.
أولى تلك المحطات التي منحت الدولة سرعة القرار، والقناعة بأن مصلحة الدولة العليا فوق أي اعتبارات، كانت القضاء على التمرد العسكري الذي قاده فصيل في موقعة «السبلة» 1930، وللحقيقة فقد أكدت تلك النهاية، أن السعودية القوية قادمة وأنها لا تدفع فواتير لأحد، بل تقدم نفسها دولة ذات قرار واحد لا شركاء فيه، ولا تخضع للابتزاز والمساومة، مثل هذا التمرد حصل بشكل «مشابه» بعد 50 سنة، على يدي جهيمان، والذي سيرد ذكره لاحقا.
ثاني المحطات شهدت نضوج العقل والحكمة السياسية، حين التقى الملك عبدالعزيز مع حسن البنا في العام 1936، ضمن الوفود الإسلامية التي تفد للسلام، في تلك الفترة المبكرة، تنبه الملك عبدالعزيز للعرض الذي قدمه البنا له بتأسيس فرع بجماعة الإخوان المسلمين في السعودية، الملك الداهية فهم أن الإخوان الذين عاثوا في مصر الملكية، يريدون الهروب من تبعات أفعالهم ونقلها لبلد لا زال ناشئا، كانت نظرة سياسية مستقلة ترفض الأحزاب وتعتقد أنها مرض فتاك يودي بالدول التي تسمح بها.
جاء توحيد المملكة العربية السعودية في دولة واحدة 1932، بعدما كانت سلطنة نجد ومملكة الحجاز، تحولا تاريخيا ليس في تاريخ الجزيرة العربية، بل أثر ولعقود قادمة في مستقبل أبنائها، استطاعت معه الدولة الفتية تكوين أول وحدة عربية منسجمة غير متنافرة، هذه الوحدة شكلت العقلية الوحدوية التي انتهجتها المملكة في سياساتها الداخلية والخارجية.
كان لموقعة الوديعة 1969 حدثها المدوي، فالحرب جاءت هذه المرة من قبل عدو خارجي، يملك جيشا مدربا وحليفا دوليا هو الاتحاد السوفيتي حينها، في الحادثة أثبتت المملكة قدرتها على الردع العسكري السريع، وشكل استخدام سلاح الطيران بشكل كفء تغييرا في الإستراتيجية العسكرية أقنع الرياض بأهمية ذلك السلاح وتحويله إلى ذراع عملاقة، وبعد أقل من عقد، دعمت سلاحها الجوي بمئات من طائرات إف 15 ذائعة الصيت وطائرات الأواكس القادرة على حماية الأجواء.
كانت حرب اليمن بين الجمهوريين والملكيين، وهي في وجهة نظر ساعدت في تطوير البراغماتية السياسية للرياض، التي وجدت بعد سنوات أن «الملكيين» في صنعاء، هم من قضوا على أنفسهم رغم كل الدعم الذي بذل لهم، وبالتالي فإن مستقبل اليمن يكمن في الانحياز لخيارات أخرى، وهو ما حصل العام 1970.
كانت سنة 1973 أثبتت فيها الرياض انحيازها الكامل للقضية الفلسطينية، وأخذت قرارا مصيريا بوقف إنتاج النفط عقابا للدول المنحازة لإسرائيل في صراعها مع العرب، قرار وضع قوت السعوديين أمام مصير صعب، لكنها الحياة بكرامة مع قليل من التمر واللبن هي الرسالة التي وصلت لواشنطن وحلفائها الغربيين.
كان لدخول جهيمان إلى الحرم المكي الشريف صدمة عنيفة في وجدان السعوديين، ليس لأن جهيمان ورفاقه احتلوا الحرم، بل للجرأة على قتل المسلمين بدم بارد في داخله، يبدو حينها أننا لم نلتفت إلى خطورة الفكر الذي يستبيح الدماء بلا تردد من أجل تحقيق أفكاره المتطرفة، وهو فكر قطبي بامتياز جاء عبر نظرية التكفير والهجرة.
القضاء العسكري على جهيمان ورفاقه، أحدث ارتباكا في المشهد الاجتماعي بقي على الأقل لثلاثة عقود لاحقة ليتم الإجهاز على فكره المتمدد.
حرب الخليج العام 90، وضعت المملكة أمام خيارات صعبة، لكنها اختارت تحرير الكويت من صدام بدلا من الاتفاق معه على اقتسام دول مجلس التعاون الخليجي، كما عرض على الملك فهد في بغداد ورفضه بصلابة.
في تلك الحرب جربت السعودية استضافة نصف مليون جندي أجنبي، وعرفت كيف تتشكل التحالفات العابرة للقارات، وكيف أن الخيانة تأتي ليس من البعيد فقط، بل وحتى من القريب المندس بيننا، وهل ننسى كيف أن شيوخ الحركيين نزعوا خناجرهم بالتعاون مع جماعة الإخوان للتحريض ضد التحالف ودفع السعوديين للتشظي وخلق تيار مناهض داخلي أسفر فيما بعد عن عمليات ضد الأمريكان والغربيين.
جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لتنقل المواجهة هذه المرة من الأعداء إلى الأصدقاء، فقد استطاع من صمم وخطط للأحداث، إحداث صدمة هائلة بين واشنطن والرياض باختياره المتعمد لأربعة عشر سعوديا ضمن الإرهابيين المنفذين لها، وهنا برزت الدولة السعودية بكل قوتها وببراعة ومهارة لا مثيل لها، خففت من تداعيات الأحداث، ونقلت المعركة إلى العدو الحقيقي المنفذ لها.
أحداث الخريف العربي، وتداعيات الشرق الأوسط الجديد، التي لا نزال نعيش نتائجها وتأثيراتها وضعت المملكة أمام تحديات وجودية، لكن المصمك الذي كان صلبا كعادته، وصل لقناعة تامة تقوم على ثلاثة محاور، التحالف مع السعوديين والمراهنة عليهم فقط، وحماية الخليج من أي اختراق وهو ما حدث في القرار المصيري بدخول قوات درع الجزيرة للبحرين، وثالثا البعد العربي بحماية مصر من السقوط، ودعم ثورة 30 / 6 وخيارات الشعب المصري في دحر محاولات احتلال جماعة الإخوان للعالم العربي، وكذلك إخراج النفوذ الإيراني من اليمن والبحر والأحمر والسودان، وإبقاء الجزيرة العربية ومحيطها خاليا من أي قوى إقليمية.